الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ}في سبب نزولها ثلاثة أقوال:أحدها: أن خِذام بن خالد، والجُلاس بن سويد، وعبيد بن هلال في آخرين، كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم لبعض: لا تفعلوا، فانا نخاف أن يبلغه فيقع بنا، فقال الجلاس: بل نقول ما شئنا، فانما محمد أُذنٌ سامعة، ثم نأتيه فيصدِّقنا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.والثاني: أن رجلًا من المنافقين يقال له: نَبْتَل بن الحارث، كان ينم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال: إنما محمد أُذن، مَنْ حدَّثه شيئًا، صدقه؛ نقول ما شئنا، ثم نأتيه فنحلف له فيصدقنا، فنزلت هذه الآية؛ قاله محمد بن إسحاق.والثالث: أن ناسًا من المنافقين منهم جلاس بن سويد، ووديعة بن ثابت، اجتمعوا، فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وسلم، وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس، فحقروه، فتكلموا، وقالوا: لئن كان ما يقوله محمد حقًا، لنحن شر من الحمير، فغضب الغلام، وقال: والله إِن ما يقوله محمد حق، وإنكم لشرٌ من الحمير؛ ثم أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فدعاهم فسألهم، فحلفوا أن عامرًا كاذب، وحلف عامر أنهم كذبُوا، وقال: اللهم لا تفرِّق بيننا حتى تبيِّنَ صدق الصادق، وكذب الكاذب؛ فنزلت هذه الآية، ونزل قوله: {يحلفون بالله لكم ليرضوكم} قاله السدي.فأما الأذى، فهو عيبه ونقل حديثه.ومعنى: {أُذُنٌ} يقبل كل ما قيل له.قال ابن قتيبة: الأصل في هذا أن الأُذُنَ هي السامعة، فقيل لكل من صدَّق بكل خبر يسمعه: أُذُنٌ.وجمهور القراء يقرؤون {هو أُذُنٌ قُّلْ أُذُنُ} بالتثقيل.وقرأ نافع: {هو أُذْنٌ قل أُذْنُ خير} باسكان الذال فيهما.ومعنى {أُذُنُ خيرٍ لكم} أي: أذن خير، لا أُذُنُ شرّ، يسمع الخير فيعمل به، ولا يعمل بالشرَّ إذا سمعه.وقرأ ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وابن يعمر وابن أبي عبلة: {أُذُنٌ} بالتنوين {خيرٌ} بالرفع.والمعنى: إن كان كما قلتم، يسمع منكم ويصدِّقكم، خيرٌ لكم من أن يكذِّبكم.قال أبو علي: يجوز أن تطلق الأذن على الجملة، كما قال الخليل: إنما سميت النابُ من الإبل، لمكان الناب البازل، فسميت الجملة كلُّها به، فأجرَوا على الجملة اسم الجارحة لإرادتهم كثرة استعماله لها في الإصغاء بها.ثم بيَّن ممن يَقبل، فقال: {يؤمِنُ بالله ويؤمِنُ للمؤمنين} قال ابن قتيبة: الباء واللام زائدتان، والمعنى: يصدِّق اللهَ ويصدِّقُ المؤمنين.وقال الزجاج: يسمع ما ينزِّله الله عليه، فيصدِّق به، ويصدِّق المؤمنين فيما يخبرونه به.{ورحمةٌ} أي: وهو رحمة، لأنه كان سبب إيمان المؤمنين.وقرأ حمزة: {ورحمةٍ} بالخفض.قال أبو علي: المعنى: أُذُنُ خيرٍ ورحمة.والمعنى: مستمعُ خيرٍ ورحمةٍ. اهـ..قال القرطبي: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ}بيّن تعالى أن في المنافقين من كان يبسط لسانه بالوقيعة في أذِيّة النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول: إن عاتبني حلفتُ له بأني ما قلت هذا فيقبله؛ فإنه أُذُنٌ سامعة.قال الجوهري: يُقال رجل أُذن إذا كان يسمع مقال كل أحد؛ يستوي فيه الواحد والجمع.وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {هُوَ أُذُنٌ} قال: مستمع وقابل.وهذه الآية نزلت في عَتّاب بن قُشير، قال: إنما محمد أُذن يقبل كل ما قيل له.وقيل: هو نَبْتَل بن الحارث؛ قاله ابن إسحاق.وكان نبتل رجلًا جسيمًا ثائَر شعر الرأس واللحية، آدمَ أحمر العينين أسفعَ الخدّين مشوّه الخِلْقة، وهو الذي قال فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نَبْتَل بن الحارث» السّفعة (بالضم): سواد مُشْرَب بحمرة.والرجل أسفع؛ عند الجوهري.وقرئ {أُذن} بضم الذال وسكونها.{قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} أي هو أذن خير لا أذن شرّ؛ أي يسمع الخير ولا يسمع الشر.وقرأ {قل أُذنٌ خيرٌ لكم} بالرفع والتنوين، الحسنُ وعاصم في رواية أبي بكر.والباقون بالإضافة، وقرأ حمزة {ورحمةٍ} بالخفض.والباقون بالرفع عطف على {أذن}، والتقدير: قل هو أذن خير وهو رحمة، أي هو مستمع خير لا مستمع شر، أي هو مستمع ما يحب استماعه، وهو رحمة.ومن خفض فعلى العطف على {خيرٍ}.قال النحاس: وهذا عند أهل العربية بعيد: لأنه قد تباعد ما بين الاسمين، وهذا يقبح في المخفوض.المهدوِيّ: ومن جر الرحمة فعلى العطف على {خير} والمعنى مستمعُ خير ومستمع رحمة؛ لأن الرحمة من الخير.ولا يصح عطف الرحمة على المؤمنين؛ لأن المعنى يصدّق بالله ويصدّق المؤمنين؛ فاللام زائدة في قول الكوفيين.ومثله {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] أي يرهبون ربهم.وقال أبو عليّ: كقوله: {رَدِفَ لَكُمْ} وهي عند المبرّد متعلقة بمصدر دلّ عليه الفعل، التقدير: إيمانه للمؤمنين؛ أي تصديقه للمؤمنين لا للكفار.أو يكون محمولًا على المعنى؛ فإن معنى يؤمن يصدّق، فعُدّي باللام كما عُدّي في قوله تعالى: {مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [البقرة: 97]. اهـ..قال الخازن: قوله سبحانه وتعالى: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن}نزلت في جماعة من المنافقين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبونه ويقولون ما لا ينبغي فقال بعضهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فيقع بنا فقال الجلاس بن سويد وهو من المنافقين بل نقول ما شئنا ثم نأتيه وننكر ما قلنا ونحلف فيصدقنا بما نقول فإنما محمد أذن أي يسمع كل ما يقال له ويقبله وقيل معنى هو أذن أي ذو أذن سامعة، وقال محمد بن إسحاق: نزلت في رجل من المنافقين يقال له نبتل بن الحرث وكان أزنم ثائر الشعر أحمد العينين أسقع الخدين مشوه الخلقة وقد قال فيه النبي: «من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحرث» وكان ينم حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين.فقيل له: لا تفعل ذلك.فقال: إنما محمد أذن فمن حدثه شيئًا صدقه فنقول ما شئنا ثم نأتيه ونحلف له فيصدقنا، فأنزل الله هذه الآية.ومقصد المنافقين بقوله هو أذن أنه ليس بعيد غور بل هو سليم سريع الاغترار بكل ما يسمع فأجاب الله سبحانه وتعالى عنه بقوله: {قل أذن خير لكم} يعني هب أنه أذن لكنه أذن خير لكم كقولك رجل صدق وشاهد عدل والمعنى أنه مستمع خير وصلاح لا مستمع شر وفساد وقرئ أذن خير مرفوعين منونين ومعناه يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم ولا يقبل قولكم ثم وصف الله سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} يعني أنه يصدق المؤمنين ويقبل قولهم ولا يقبل قول المنافقين وإنما عدي الإيمان بالله بالياء والإيمان للمؤمنين باللام لأن الإيمان بالله هو نقيض الكفر فلا يتعدى إلا بالياء فيقال: آمن بالله والإيمان للمؤمنين معناه تصديق المؤمنين فيما يقولونه فلا يقال إلا باللام ومنه قوله تعالى: {أنؤمن لك} وقوله: {آمنتم له} {ورحمة} أي هو رحمة {للذين آمنوا منكم} وإنما قال منكم لأن المنافقين كانوا يزعمون أنهم مؤمنون فبين الله سبحانه وتعالى كذبهم بقوله إنه رحمة للمؤمنين المخلصين لا للمنافقين وقيل في كونه صلى الله عليه وسلم رحمة لأنه يجري أحكام الناس على الظاهر ولا ينقب عن أحوالهم ولا يهتك أسرارهم {والذين يؤذنون رسول الله لهم عذاب أليم} يعني في الآخرة. اهـ..قال أبو حيان: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن}كان قدام بن خالد وعبيد بن هلال والجلاس بن سويد في آخرين يؤذون الرسول صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه فيوقع بنا.فقال الجلاس: بل نقول بما شئنا، فإنّ محمدًا أذن سامعة، ثم نأتيه فيصدقنا فنزلت.وقيل: نزلت في نبتل بن الحرث كان ينم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، فقيل له: لا تفعل، فقال ذلك القول.وقيل: نزلت في الجلاس وزمعة بن ثابت في آخرين أرادوا أن يقعوا في الرسول وعندهم غلام من الأنصار يدعى عامر بن قيس فحقروه، فقالوا: لئن كان ما يقول محمّد حقًا لنحن شر من الحمير، فغضب الغلام فقال: والله إنّ ما يقول محمد حق، وأنتم لشر من الحمير، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فدعاهم، فسألهم، فحلفوا أنّ عامرًا كاذب، وحلف عامر أنهم كذبة وقال: اللهم لا تفرق بيننا حتى يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب، ونزلت هذه الآية يحلفون بالله لكم ليرضوكم، فقال رجل: أذن إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع قاله الجوهري.وقال الزمخشري: الأذن الرجل الذي يصدق كل ما يسمع، ويقبل قول كل أحد، سمي بالجارحة التي هي آلة السماع، كان جملته أذن سامعة ونظيره قولهم للرئية: عين.وقال الشاعر:وهذا منهم تنقيص للرسول صلى الله عليه وسلم، إذ وصفوه بقلة الحزامة والانخداع.وقيل: المعنى ذو أذن، فهو على حذف مضاف قاله ابن عباس.وقيل: أذن حديد السمع، ربما سمع مقالتنا.وقيل: أذن وصف بنى على فعل من أذن يأذن أذنًا إذا استمع، نحو أنف وشلل وارتفع.أذن على إضمار مبتدأ أي: قل هو أذن خير لكم.وهذه الإضافة نظيرها قولهم: رجل صدق، تريد الجودة والصلاح.كأنه قيل: نعم هو أذن، ولكن نعم الإذن.ويجوز أن يراد هو أذن في الخير والحق وما يجب سماعه وقبوله، وليس بإذن في غير ذلك.ويدل عليه خير ورحمة في قراءة من جرها عطفًا على خير أي: هو أذن خير ورحمة لا يسمع غيرهما ولا يقبله، قاله الزمخشري.وقرأ الحسن ومجاهد وزيد بن علي وأبو بكر عن عاصم في رواية قل: أذن بالتنوين خير بالرفع.وجوزوا في أذن أن يكون خبر مبتدأ محذوف، وخير خبر ثان لذلك المحذوف أي: هو أذن هو خير لكم، لأنه صلى الله عليه وسلم يقبل معاذيركم ولا يكافئكم على سوء خلتكم.وأن يكون خير صفة لأذن أي: أذن ذو خير لكم.أو على أنّ خيرًا أفعل تفضيل أي: أكثر خيرًا لكم، وأن يكون أذن مبتدأ خبره خبر.وجاز أن يخبر بالنكرة عن النكرة مع حصول الفائدة فيه قاله صاحب اللوامح، وهو جائز على تقدير حذف وصف أي: أذن لا يؤاخذكم خير لكم، ثم وصفه تعالى بأنه يؤمن بالله، ومن آمن بالله كان خائفًا منه لا يقدم على الإيذاء بالباطل.ويؤمن للمؤمنين أي: يسمع من المؤمنين ويسلم لهم ما يقولون ويصدقهم لكونهم مؤمنين، فهم صادقون.ورحمة للذين آمنوا منكم، وخص المؤمنين وإن كان رحمة للعالمين، لأن ما حصل لهم بالإيمان بسبب الرسول لم يحصل لغيرهم، وخصوا هنا بالذكر وإن كانوا قد دخلوا في العالمين لحصول مزيتهم.وهذه الأوصاف الثلاثة مبينة جهة الخيرية، ومظهرة كونه صلى الله عليه وسلم أذن خير.وتعدية يؤمن أولًا بالباء، وثانيًا باللام.قال ابن قتيبة: هما زائدان، والمعنى: يصدق الله، ويصدق المؤمنين.وقال الزمخشري: قصد التصديق بالله الذي هو نقيض الكفر، فعدى بالباء، وقصد الاستماع للمؤمنين، وإن يسلم لهم ما يقولون فعدى باللام.ألا ترى إلى قوله تعالى: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} ما أنباه عن الباء ونحوه {فما آمن لموسى إلا ذرية من قَومه} {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} {آمنتم له قبل أن آذن} انتهى.وقال ابن عطية: يؤمن بالله يصدق بالله، ويؤمن للمؤمنين.قيل: معناه ويصدق المؤمنين، واللام زائدة كما هي في {ردف لكم} وقال المبرد: هي متعلقة بمصدر مقدر من الفعل، كأنه قال: وإيمانه للمؤمنين أي: وتصديقه.وقيل: يقال آمنت لك بمعنى صدقتك، ومنه قوله: {وما أنت بمؤمن لنا} وعندي أنّ هذه التي معها اللام في ضمنها باء فالمعنى: ويصدق للمؤمنين فيما يخبرونه به، وكذلك وما أنت بمؤمن لنا بما نقوله لك انتهى.وقرأ أبي وعبد الله والأعمش وحمزة: ورحمة بالجر عطفًا على خبر، فالجملة من يؤمن اعتراض بين المتعاطفين، وباقي السبعة بالرفع عطفًا على يؤمن، ويؤمن صفة لأذن خير.وابن أبي عبلة: بالنصب مفعولًا من أجله حذف متعلقه التقدير: ورحمة يأذن لكم، فحذف لدلالة أذن خير لكم عليه.وأبرز اسم الرسول ولم يأت به ضميرًا على نسق يؤمن بلفظ الرسول تعظيمًا لشأنه، وجمعًا له في الآية بين الرتبتين العظيمتين من النبوّة والرسالة، وإضافته إليه زيادة في تشريفه، وحتم على من أذاه بالعذاب الأليم، وحق لهم ذلك والذين يؤذون عام يندرج فيه هؤلاء الذين أذوا هذا الإيذاء الخاص وغيرهم. اهـ.
|